اقرؤوا في:
1
استيقظ المواطن جابر سبيل على رنّات صوت منبه الموبايل “نوكيا” المتصلة عند الساعة السادسة وخمس دقائق بالضبط، حاول أن يغطي وجهه بالوسادة مثلما يفعل كل صباح لكنّه أحسّ بعجز رهيب.
تجمّد في مكانه ورنين صوت المنبه يتصاعد في رأسه كأنّه مسمارٌ يدقّ ويدقّ في ذهنه. أخيراً قرر أن يمد يده نحو المنضدة ليسكت صوت المنبه ويدع قلبه لدقائق تنظم ضرباته قبل النزول من السرير؛ لكنّه أحسّ بالعجز أيضاً وبفقدان الإحساس بيده، بيديه الاثنتين، برأسه وقدميه وكامل جسده.
انتبه المواطن جابر كالمصعوق أنه بالفعل قد تحوّل إلى شيء آخر بخلاف ذلك الشخص الذي كان آخر عهده به ليلة أمس حين نام متأخرا وهو منهك الجسد إثر سهر طويل في العمل. تأكد وهو يقيس ذهنياً تصلبه الكامل أنه قد تحول إلى شيء معدني؛ صلب وقوي يستلقي في مكانه بالفراش.
2
استغرق المواطن جابر سبيل وقتاً ليس بالقصير في محاولة للتأقلم مع هذا الجسد الخشن المتصلب الذي حلّ بديلا لجسده البشريّ، إلى أن انتبه إلى أصوات أطفال المدارس وهم يهرولون في الشوارع متجهين إلى مدارسهم، وإلى أصوات باعة الخضروات والخردوات والحليب ينادون على بضائعهم زهيدة الأسعار؛ وإلى إحساس غريب بأن ضوء الشمس بدأ بالتسرب إلى داخل الغرفة من شق ما في السقف؛ فتذكر مفزوعاً أنه تأخر كثيراً عن مواعيد عمله بالمصلحة الحكومية، وأن عقاب الخصم من الراتب وتقربع المدير المتجهم ينتظره؛ فحاول النهوض سريعا، بيد أن جسده المعدني الثقيل خذله وشده من جديد إلى الفراش.. فكر مفزوعاً: (أنا حديد، لقد تحولت إلى حديد)!
3
بعد محاولات مضنية تمكن جابر سبيل من الهبوط من على الفراش. في الحقيقة قذف بكامل جسده الجديد الحديد إلى أرض الغرفة الإسمنتية ليكتشف مع سقوط داوي الصوت أن له ما يشبه القدمين الناحلتين الطويلتين، فعمد بشكل ما على التساند عليهما وتحرك متعثراً صوب مرآة طولية تتوسط دولاب ملابسه؛ ليكتشف مرة أخرى أنه يمتلك ما يشبه العين الواحدة حادة البصر، يرى بها بقوة وتقوده بدقة عالية نحو الدولاب.
توقف هنيهاتٍ قبل أن يرتقي بقدمي الحديد الناحلتين إلى أعلى ليكون موازيا للمرآة. وهو يبصر شكله الجديد الحديد لم يتمالك المواطن جابر سبيل نفسه من أن يصرخ بصوت غريب مفزع ومرعب جعله يدور حول نفسه كالمجنون والرصاص ينطلق من ماسورة تنتصب عند مقدمة جسده مخترقاً الحوائط والأثاث ويسافر في كل مكان!
4
فجع جابر سبيل بمرأى جسده الجديد وقد تحول إلى آلة أشبه بسلاح حربيّ مزدوج مكون من مدفعي (الدوشكا والرباعي)؛ له منظار حادّ كأنه عين الهلاك، وفوهة نارية كأنها الجحيم، وساندين أرضيين صلبين كأنهما خلقا لحمل الموت، ثم ازدادت فجيعته وهو يحس بالرصاصات القاتلة تواصل الخروج من جوفه الناري منطلقة بعشوائية بينما جسده يتقافز ويتحرك بعشوائية إلى أن قاده إلى الشارع العام ماضياً في كل اتجاه حاصداً للأرواح ومدمراً للحياة.
تريد حفظ لوقت لاحق؟
اشترك واحصل على حق الوصول الكامل إلى الخيارات الموجودة على الموقع