اقرؤوا في:
عندما عادت سوزان من سويسرا كانت قد تركت ثلاثة أرباع جسدها هناك ولكن لم تكن تلك خسارتها الوحيدة أو الأهم وأظنّها لن تمانع لو قلتُ لكم بأنّ خسارتها لزوجها بمجرّد عودتها من هناك ليست خسارتها العظمى .
كنتُ أعملُ نادلاً في مقهى رخيص في الورديّة الصباحية وعندما تنتهي مناوبتي أتحوّل إلى زبونٍ يستمتع بالخدمة قبل أن أعود لغرفتي المتواضعة في ساعة متأخرة مستخدمًا درّاجتي الهوائية، وذات ليلة عبرتُ الشارع بالقرب من فتاةٍ نحيفة، وَبِمجرّد أن رأتني بدأت تَصرخ كأنّها شاهدت شبحًا.
ارتبكتُ وسقطتُ عنِ الدراجة التي استمرّت بالحركة الى وسط الطريق السريع بينما أخذت الفتاة تضحك بطريقة هستيرية ثم هدَأت فجأة وقالت: “آسفة سوف أعوّضك. هذه مئة دولار ولكن لا تشترِ دراجةً بالمبلغ”.
“لماذا؟”
“لن ترغب بسماع القصة”.
“بل أرغب كثيرًا فأنا قطُّ قصص”.
“سوف تتوقف عن ركوب الدراجات الهوائية بعدها”.
” لا يهمّ. ثم إنّ هذا سوف يزيح دراجة أخرى عن طريقك”.
” طريقي. ههههههه سوف تكتشف أنّها ليست كذلك”.
اشتريت كوبًا من القهوة الساخنة من آخر الباعة المتجولين، وبدأت سوزان تروي قصّتها:
“كان ذلك قبل شهر في مدينة لوسيرن في سويسرا. ترجّلتُ من الباص وأنا مسرورة بعد رحلة طويلة انحشرت فيها في مقعد الباص الضيق الذي أكل ردفيّ تمامًا”.
قاطعتها: “ولكنّك نحيفة جدًا”.
“دعني أكمل القصة. توجد مجموعة أكواخ على طرف بحيرة لوسيرن كنت راغبة بزيارتها لألتقي رجلاً فرنسيًا سمعتُ أنّه يمتلك قدراتٍ خارقة على تخفيف الوزن .
قاطعتها: “ولكنك نحيفة جدًا”.
” تبًا لك دعني أكمل القصة. يمكن الوصول للقرية عبر أحد القوارب او بالمرور من فوق جسر. ولكنّ الجسر كان يخضع للصيانة منذ سنوات وخيار القارب غير وارد لفتاة بدينة مثلي”.
نظرت اليّ محذّرة إيّاي من مقاطعتها، وتابعت قائلة :
“قررتُ الذهاب باستخدام دراجة هوائية عبر نفق ضيق كانت تستخدمه في الماضي عرباتُ نقل النبيذ وبما أنّ الوقت كان متأخرًا جدًا فقد قررت استئجار دراجة هوائية. لمحت شابًا يرتدي قبعةً فراء خضراء طويلة ويركب دراجة هوائية حمراء جبلية ودخلت فورًا بالموضوع وطلبت منه استئجار الدراجة .
ابتسم الشاب قائلا:
“موافق، ولكنّني سأبيعها لك بمئتَي دولار! فأنتِ بدينة جدًا وربما تتسببي بكسرها، فالأفضل أن تشتريها مسبقًا”.
قاطعتها قائلاً: “ولكنّك نحيفة كشبح!”.
“اذهب إلى الجحيم ولكن دعني أكمل قصّتي. قدّمتُ للشاب مئتي دولار وتناولها شاكرًا وقبل أن يذهب قال: ‘لا تستعملي طريق النفق. لا تفكري بذلك حتى. انتظري حتى الصباح او دوري حول البحيرة هذا أفضل‘. لم أهتم لكلامه وركبت الدراجة ودخلت النفق الذي لا يتجاوز طوله نصف كيلومتر، وخلال دقائق كنت قد خرجت منه تقريبًا ولكن عند المخرج تمامًا شعرت بشيء غريب. كنتُ أبذل جهدًا كبيرًا وعجلات الدراجة تدور ولكنّني لم أكن أتحرّك. إسفلت الشارع كان يتحرك ولكن بدون أن أنتقل من نقطة الى نقطة وسرعان ما اكتشفت أن الأمر يماثل أن تقود دراجة مثبته على حزامٍ لنقل الحَقائب” .
” لماذا لم تتوقفي؟”
“حاولت، ولكن كلما توقّفت عن تدوير البدالات كانت الدراجة تغوص في الاسفلت ولم يكن أمامي سوى الاستمرار. كان الارهاق يقتلني بينما كان الشارع يتحرك كالحزام الناقل وقبيل الفجر ظننت أنّني اقتربت من الموت فقد كان يظهر من الظلام أشخاص أعرفهم يلوّحون لي بأياديهم ويقولون :
“مرحبا سوزان”. ثم يبتعدون يأخذهم الاسفلت المتحرك بعيدًا ويظهر أشخاص غيرهم وهكذا”.
” وكيف انتهى الأمر؟”
” استمرّ الأمر لساعات، وفجأة بدأت الدراجة بالحركة لم اعرف السبب ربما توقفت الآلة العملاقة التي تحرك الطريق وعندما خرجت من النفق كنت قد خسرت ثلثي وزني وبدوت كطفلة ترتدي ثياب جدتها” .
” ما نوع هذه الالة”.
لا أدري ومن قال إنه توجد آلة، أنا أحاول فقط أن أتخيل الموضوع ثم إن الدراجة اللعينة تلاحقني في احلامي كل ليلة. أنا اركض في نومي هربًا منها”.
اخترقتني قشعريرة وأنا أودّع سوزان . التفتُّ ملقيًا نظرة على دراجتي المحطّمة للحظة واحدة وعندما نظرت إلى سوزان كانت قد تلاشت تمامًا .
لم ألتقِ تلك الفتاة الظلّ مجددًا ولم أعد أركب الدرّاجات الهوائية أما المهرّجون بالقبعات الخضراء فلم أحبّهم في يوم من الأيام حتى قبل سماع هذه القصة .
تريد حفظ لوقت لاحق؟
اشترك واحصل على حق الوصول الكامل إلى الخيارات الموجودة على الموقع